منتدى ام السمائيين و الارضيين - عرض مشاركة واحدة - مجموعة عظات مكتوبة للبابا شنودة
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-18-2012, 09:38 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية ابو بيشو
 

 

 
افتراضي




ما نتعلمه من الأطفال


يبدو عنوان المقال غريبا‏,‏ فنحن لا نتعلم من الأطفال وإنما نعلمهم‏.‏ ولكنني لا أقصد من جهة العقل‏.‏ وإنما ما نتعلمه من الأطفال من جهة القلب‏,‏ والروح الطيبة‏,‏ والنفسية الصافية‏,‏ والطباع‏.‏ والمقصود بلاشك ما نتعلمه من الطفل السوي‏,‏ وليس الذي ولد بميول أو طباع منحرفة‏.

سواء من جهة الوراثة أو لأسباب أخري‏...‏ فما هو إذن ما ينبغي أن نتعلمه من الأطفال؟
أول ما نتعلمه منهم‏:‏ البراءة والبساطة‏.‏ فالطفل يولد بريئا‏,‏ ويعيش فترة طفولته في براءة‏.‏ إنه لا يعرف شرا بل لا يعرف أي نوع من الشرور‏.‏ لا يعرف الخبث ولا المكر ولا الكراهية‏.‏ وكل هذه من طباع الكبار التي قد يغرسونها فيه حينما يكبر‏,‏ للأسف الشديد‏.‏ وهو لا خبرة له أيضا للشر‏.‏ وبراءة الطفل أصبحت مثلا عند الناس‏.‏ وكما قال نزار القباني علي الشخص الذي يحاول أن يتظاهر بالبراءة‏:‏
اليوم عاد كأن شيئا لم يكن
وبراءة الأطفال في عينيه
نعم‏,‏ إن الخداع ليس من طبيعة الأطفال وإنما هو من طبع بعض الكبار‏.‏ ونحن حينما نتكلم عن براءة الأطفال حينما نقول‏:‏ إن لهم الفكر البريء‏,‏ والمشاعر البريئة‏.‏ ولأنهم لا خبرة لهم بالشر‏,‏ لذلك لا يخجلون مما يخجل منه الكبار‏.‏
ومن الصفات الجميلة عند الطفل أنه يحب المعرفة والتعليم‏.‏ وهو يسأل ويريد أن يعرف‏.‏ ولا يخجل من السؤال والإقرار بعدم المعرفة‏.‏ وهو يقبل التعليم‏,‏ وعن طريقه ينمو في المعرفة يوما بعد يوم‏.‏
أما الكبار فقد يمنعهم عن التعلم‏:‏ إما كبرياء لا تريد أن تظهر أنها لا تعرف‏.‏ أو يمنعهم الخجل من السؤال‏,‏ أو يمنعهم الاكتفاء بما هم فيه من معرفة‏.‏ وكلما كبر الإنسان في سنه أو في مركزه‏,‏ فقد يخجل أيضا من التعلم‏.‏ وهو لا يتدرب علي المعرفة بألا يخطئ أثناء تدربه‏.‏ أما الطفل فإنه أقدر علي تعلم كل شيء‏.‏ فهو مثلا أقدر علي تعلم اللغة من كبار السن‏.‏ لأنه لا يخجل من أن ينطق ولو نطقا خاطئا يصححه له معلمه‏.‏ بينما الكبير لا يفعل ذلك‏.‏
وأنت يا أخي القارئ حاول أن تتشبه بنمو الأطفال في المعرفة‏.‏ وأقصد المعرفة النافعة لك‏.‏ ومادمت قد كبرت في السن‏,‏ أمامك ألوان أساسية في المعرفة غير ما يسعي إليه الطفل‏.‏ عليك مثلا أن تعرف نفسك‏,‏ وأن تعرف الله‏,‏ وتعرف ‏,‏ وتعرف الطريق السليم الذي يوصلك‏.‏ وليكن لك التواضع الذي به تسأل وتطلب المعرفة‏,‏ دون أن تخجل‏.‏ ولا تتظاهر في كل شيء بأنك تعرف‏,‏ ودون أن تكون حكيما في عيني نفسك‏...‏ إن الطفل يرتفع عن هذا المستوي‏.‏ ويسأل باستمرار‏.‏ ولا يشعر أن السؤال يخدش كرامته‏.‏ فالطفل مرتفع عن مستوي هذا الاهتمام الضخم للكرامة‏.‏
من صفات الطفل أنه دائم النمو‏.‏ فهو ينمو دائما في القامة‏,‏ كما ينمو في المعرفة‏,‏ وهو ينمو في أشياء كثيرة‏.‏ فمن جهة القامة يصل الكبار إلي حد معين لا تنمو فيه قامتهم‏.‏ ولكنهم من جهة النمو عليهم أن ينمو في مجالات أخري ينبغي أن يمارسوها‏.‏ ومنها النمو في الروح والعقل‏,‏ وفي المعرفة وفي الحكمة‏,‏ وفي كل فضيلة وعمل صالح‏.‏ إذن حاولوا أن تتعلموا من الأطفال فضيلة النمو‏,‏ في المجالات المتاحة لكم‏.‏
من صفات الطفل أيضا الصدق‏,‏ وعدم الشك‏.‏ فهو يقول الصدق باستمرار‏,‏ إلا إذا خاف من عقوبة الكبار‏.‏ لذلك علي الكبار أن يطمئنوه باستمرار‏,‏ ولا يصح أن يلجأوا إلي العقوبة في كل شيء إنما بالإرشاد بدلا من العقوبة‏.‏ وهكذا ينزعون منه عامل الخوف الذي يكون جديدا عليه‏,‏ وبالتالي يثبتونه في الصدق الذي هو طبيعته‏.‏
من طبيعة الطفل أيضا أنه يثق ولا يشك‏.‏ إلا إذا خدعه الكبار‏,‏ فيبدأ يشك‏.‏ أما الشك فهو إذن دخيل علي طبيعته النقية‏.‏ هل يستطيع الكبار أن تتنقي طبيعتهم من الشك؟ أم أن فلاسفتهم يقولون إن الشك هو الطريق إلي المعرفة‏!‏ وبهذا يعلمون الأطفال الشك أيضا‏.‏
يعجبني في الطفل أيضا صفة البشاشة‏.‏ فهو باستمرار بشوش ويحب البشاشة‏.‏ يحب المرح‏,‏ ويحب أن يضحك‏,‏ ويحب من يضحكه‏.‏ إنه لا يحمل أمور الدنيا فوق كتفيه كما يفعل الكبار‏.‏ ولا يفكر في مشاكل اليوم ولا مشاكل الغد ولا هموم المستقبل‏.‏ بل يعيش باستمرار في سلام قلبي لا يعرفه الكبار‏.‏ بل هو لا يعرف كلمة مشكلة إنها لم تدخل في مفردات قاموسه اللغوي بعد‏.‏ وإن حدث وصادفه شيء من الضيق‏,‏ يلقي كل ذلك علي أبيه وأمه‏,‏ ويستمر في نقاوة قلبه من الضيق‏.‏ وحتي في أشد الأوقات خطورة‏,‏ تجد البيت كله منزعجا ومتوترا ومتوقعا شرا‏,‏ ما عدا الطفل‏.‏ فليتك يا أخي القارئ تتشبه بما يحمله الأطفال من هدوء ومن سلام قلبي ومن فرح‏.‏ وإن صادفتك مشكلة‏,‏ فحاول أن تحتفظ بهدوئك‏,‏ واشعر بان لها حلولا‏.‏ إن لم تقدر عليها‏,‏ فإن الله ـ تبارك اسمه ـ هو حلال المشاكل‏.‏
من صفات الطفل الجميلة أيضا أنه لا يحمل حقدا‏.‏ قد يوجد ما يغضبه أو يضايقه أو يحزنه‏.‏ ولكن هذا كله يأخذ وقته وينتهي‏,‏ دون أن يخزنه في قلبه أو في مشاعره كما يفعل الكبار وما أسرع أن يتصافي ويلعب مع طفل آخر كان يتعارك معه منذ لحظات‏.‏ فالطفل سريع التصالح‏.‏ وقد يضربه أبوه أو أمه‏.‏ وبسرعة يأتي فيرتمي في حضنهما‏.‏ وفي عطفهما ينسي كل ما حدث‏.‏
والطفل يتميز بعمق الإيمان ويقبل كل حقائق الإيمان‏.‏ دون أدني شك‏.‏ إنه يولد مؤمنا‏.‏ نقول له نصلي‏,‏ فيصلي‏.‏ قل يارب‏,‏ فيقول‏,‏ دون أن يسأل من هو الله؟ وما هي السماء؟
ومع كل ذلك أسمع من بعض الأمهات الشكوي من اشقاوة الأطفال‏,‏ إن ما يسمي بكلمة شقاوة هو نوع من نشاط للطفل الذي يريد أن يتحرك ويجري ويتكلم‏.‏ وعلي الرغم من كل ما قلناه قد يوجد للطفل بعض الأخطاء مما يترسب فيه من البيئة ومن تربية خاطئة‏.‏ أما طبيعة الطفل الفاضلة فهي أمثولة طيبة وقدوة صالحة للكبار‏.


بقلم: قداسة البابا شنودة الثالث







التوقيع

رد مع اقتباس